ومضة معرفية: لماذا لا نتعلم من التاريخ؟

منذ أكثر من 2000 عام، فكر المؤرخ اليوناني بوليبيوس في أن أفضل طريقة للتغلب على مشاكل المجتمع الحالية هي “تذكر كوارث الآخرين”. ومع ذلك، بعد آلاف السنين، ما زال الناس يتجاهلون دروس الماضي. لذلك، لماذا لا نتعلم من التاريخ؟

لبدء الإجابة، نحتاج إلى تفكيك العلاقة المعقدة التي نربطها نحن البشر بالتاريخ والفكر التاريخي.

دراسة التاريخ يوسع فهمنا للعالم

عندما تكون قادراً على التعلم من التاريخ، يمكنك تغيير العالم حرفياً. خذ على سبيل المثال أوتو فون بسمارك، أحد أبرز رجال الدولة في القرن التاسع عشر. في غضون بضعة عقود قصيرة، أنجز شيئاً بدا مستحيلاً. وحدت دبلوماسيته الذكية وعمله العسكري الحاسم العشرات من الإمارات الألمانية المتناحرة الى إمبراطورية ألمانية الموحدة.

إذاً، كيف طور بسمارك المهارات السياسية والثقة في ساحة المعركة؟ حسناً، كان الرجل نفسه يقول إن خبرته لم تتحقق عن طريق الصدفة؛ ولم تكن مبنية على موهبة طبيعية. بدلاً من ذلك، قام بسمارك بزراعتها من خلال دراسة والتعلم من التاريخ.

كانت مقولته المشهورة أن الحمقى فقط هم من يتعلمون من تجاربهم الخاصة. القادة ذوو الرؤية الحقيقية – وفقاً لبسمارك – يستمدون الإلهام والبصيرة من تجارب الآخرين.

لماذا يجب دراسة التاريخ؟

على المستوى الأساسي، التعلم من التاريخ يمكن أن يساعدك على فهم سبب حدوث الأحداث بالطريقة التي حدثت بها. سيستخدم المؤرخ الماهر أدلة قوية لتجميع صورة دقيقة لما حدث في الماضي – ولماذا.

لكن التعلم من التاريخ أكثر بكثير من مجرد مسعى أكاديمي. كما أنه يساعدك على اتخاذ قرارات أفضل. يُكسبك المعرفة والحكمة التي لا يمكنك الحصول عليها من الحياة اليومية.

بالتأكيد، قد يكون لدى الرجل الذي يبلغ من العمر 80 عاماً دروساً في الحياة اكتسبها خلال عقود من الزمن، لكن طالب التاريخ سيكون لديه مئات أو آلاف السنين من البيانات للاستفادة منها.

من المهم بشكل خاص دراسة والتعلم من التاريخ العسكري. قد يكون من المألوف للمؤرخين التركيز على التحولات البطيئة والدقيقة في المجتمع، الناجمة عن الاتجاهات الاقتصادية. ومع ذلك، غالباً ما يكون النزاع المسلح هو الدافع وراء الأحداث.

فقط فكر في مدى اختلاف العالم إذا سارت المعارك المهمة في الاتجاه الآخر. ماذا لو غزا الفرس اليونان؟ ماذا لو تم سحق نابليون في طولون؟ سيكون العالم مكاناً مختلفاً تماماً.

عندما تفكر في هذه الأسئلة، من المهم الحفاظ على نظرة أشمل. لكن عند التركيز كثيراً في التفاصيل الدقيقة، أو الانغماس بعمق في مصدر واحد فقط من البيانات، فإنك تخاطر بتشويه فهمك للأحداث.

غالباً ما يبحث القادة العظماء عن الحقيقة لتعزيز إرثهم. وما بالنسبة للمؤرخين، فإنهم فلغالب يكونون متحيزين.

لذلك، عندما ندرس ونتعلم من التاريخ، فمن الأفضل أن نتراجع ونستخدم نهجاً علمياً نزيهاً ومنظور شمولي لفهم أحداث التاريخ بموضوعية أكثر.