كيفية تطوير عادات جيدة

نحن البشر مخلوقات ذات عادات، لذلك يجب أن يكون تطوير العادات الجيدة أمر بسيط – اليس كذلك! حسناً، ليس دائماً.

المشكلة هي أننا نشعر بالراحة عند القيام بالأشياء بنفس الطريقة كل يوم. غالبا ما نلتزم بالروتين اليومي دون التفكير في عواقبه أو فعاليته. لذلك، لماذا التغيير؟

لسوء الحظ، ليست كل عاداتنا صحية أو جيدة. إذا اعتدنا على العودة إلى المنزل بعد العمل كل يوم وتصفح وسائل التواصل الاجتماعي لفترة طويلة بدلاً من الركوب على جهاز المشي للتخلص للتخلص من الوزن الزائد، فسيؤثر ذلك سلبًا على صحتنا.

أو، إذا كنا نميل أثناء مشاهدة التلفزيون في المساء إلى تناول وجبة خفيفة من رقائق البطاطس وشرب المشروبات الغازية بدلاً من تناول الخضار واحتساء عصير الفاكهة، فسيؤدي ذلك في النهاية إلى عواقب صحية سيئة.

إذا اعتدنا على التدخين لتخفيف التوتر / القلق، أو الإفراط في تناول الطعام، أو التخلص من إحباطاتنا للآخرين، فيجب أن ندرك أن هذه العادات تستحق التغيير أو التخلص منها. إذن، أين نبدأ؟


قد يهمك ايضاً:


العادة وعلاقتها بالنوايا

في الحقيقة إنّ العادات تتبع النوايا بشكلٍ كبير، أيّ إذا كانت النيّة تَرغب في اكتساب هذه العادة فإنّ كلّ حواس الإنسان تعمل على كسبها، حواسه البدنيّة التي تخدم العادة والتي تقودها الأحاسيس النفسيّة والنّوايا. فإذا أردتَ أن تكتسب عادة الاستيقاظ مبكرًا ستجد أنّ عقلك وبدنك يعمل معك في خدمة هذا الهدف.

لذلك، كلّما كانت النيّة قويّة كلّما أتمَمتَ هذه المهمة بنجاح وكلّما تناقصت النيّة بداخلك ستَجد أنّكَ وبلا وعي تتكاسل عن فعل الشيء وتجد مبررات باستمرار لِتقصيركَ في هذه المُهمّة حتى تعي في أحدِ الأيام أنّها قد فشلتْ.

يتمّ تدريس أجيال من علماء النّفس في كبار الجامعات على أن النّوايا هي المفتاح الرّئيسي لتوقُّع السّلوك الإنسانيّ، والخبر السّيء هنا أنّه مع تزايد العادات تعمل النوايا بشكل أقلّ دقّة. وكلّما زادتْ قوّة العادة كلّما زادت مقاومتها للنوايا.

حسنًا وكيف نعرف إذا كانت هذه العادة قويّة أم ضعيفة؟ لقد تمّ إجراء العديد من الدراسات فيما يخصّ هذا الأمر، وتمّ تصنيف العادات حسب مدة تكرارها، مثلاً:

  • الأكل الصحيّ وشرب الماء عادة يوميّة،
  • الذّهاب إلى المَسبح عادة أسبوعيّة،
  • والتبرّع بالدم عادة سنويّة،

وَجدوا أنّه كلما كان تكرار الحدث أقلّ كلّما نجحتْ النّوايا في السيطرة عليها، وكلّما تكرر هذا الحدث كثيرًا وبمدّة أقلّ فقدتْ النّوايا سيطرتُها وعادت مقاومة العادة.

بناء عادات جيدة

قبلَ أن تبدأ ببناء عادة جديدة عليك أنْ تنظُر لوهلة إلى الهدف أو الدافع لامتلاك هذه العادة. أي أنّ الالتزام بالعادة يحتاج إلى هدف يستحقّ بالفعل تحقيقه. فعندما يبدأ النّاس بالعمل على عادة ذات هدف ضعيف ليسوا مقتنعين به، غالباً ما تنتهي بالفشل. ليسَ هذا فحسب بل عليهم أيضًا توقّع النّجاح في اكتساب هذه العادة وليس تخيُّله، ولكن ما الفرق بين التّوقُّع والتّخيُّل؟

تَخيُّل النجاح وتوقّعه

يَلجأ الأطبّاء النفسيون وخبراء التنمية البشريّة إلى الطلب من الأشخاص التفاؤل وتوقّع الأمور الجيّدة والابتعاد عن التشاؤم وتوقّع الفشل والخسارة تحت ما يسمّوه قانون الجذب. أيّ أنّ الشخص يجذب الشيء الذي يتوقّعه سواء أكان جيّدًا أو سيئًا. لكنْ بعض النّاس يتخيلون التفاؤل والمُستقبل الجيّد والنّجاح وغيرها من الأمور ولا يتوقعونها.

حسناً لا بدّ أنّكَ في حيرةٍ من أمرك الآن، ما الفرق بينَ التَّخيُّل والتّوقُّع؟ تَخيُّل الأمور يعني أنَك تفكّر بها بشكلٍ ما تتمناه لكنّك لن تسعى للعمل على تحقيقه. أيّ أنّ ذلكَ التخيُّل لن يتعدى الفكر ولن يصل إلى تحويل هذا الفكر إلى أفعال.

بينما التّوقع هو التّفكير بأنّك قادرٌ على فعل ذلك الشيء بمجهودك وأفعالكَ، حيثُ تترجم هذه الأفكار إلى أفعالٍ واقعيّة سعيًا لتحقيق المُراد والبعض يطلق عليه “التّصور” وهي التّفكير في العمليات التي تنطوي على الوصول إلى الهدف وليسَ التّفكير في الهدف فحسب.

كسر العادات

أُجريت تجربة من قِبَل باحثين نفسيين على مجموعة من النّاس في نهاية عام 1985 حول العادات التي يرغبون بالتّخلص منها في حلول 1986،

  • 38% من القرارات كانت تدور حول التّخلُّص من الوزن الزائد،
  • و30% تركّزتْ في الإقلاع عن التدخين،
  • أمّا باقي القرارات كانت تدور حول تعّهُدات أخرى مثل تعلُّم قول لا،
  • وتَحمُّل المزيد من المَسؤوليّة في القرارات.

تمّ بعد ذلكَ الاتصال بالمُشاركين على مدار الأسابيع المُقبلة. أعلن بعض المُشاركين فشلهم بمرور الأسبوع الأول، وانسحب نصف المُشاركين تقريبًا بعد شهر، ولم يكمل آخرون أكثر من ستة أشهر. لربما أنّ هذه النتائج أصابتكَ بالإحباط، كيف يستطيع بعضُ النّاس الاستغناء عن عاداتهم غير المرغوبة؟ وكيف يفشل آخرون في ذلك؟

التأمُّل الذهنيّ

الشيء الذي يجعل العادات خطيرة هو أننا لا نؤديها بوعي ولا ندرك حجم نتائجها، قد نكون على دراية بأنّ الاستمرار في أكل الوجبات السريعة يضرّ بالصّحة. لكننا لا ندرك هذه النتيجة إلا بعدَ فوات الأوان لأننا نفعل هذه العادة عندما نكون في حالة من غياب الذهن والوعي. وحتّى تستطيع تغيير شيء ما عليك في البداية أنْ تدركه وتدرك ما هو عليه الآن.

قد يجد البعض صعوبةً في استحضار وعيه في كلّ ما يفعله خلال اليوم، لكن عندما يحدد المرء شيئًا ما يريد التّخلُّص منه عليه أن يستحضر عقله عند فعل هذا الشيء على الأقلّ. واستحضار الذهن هو زيادة الوعي بما تفعله. هناك مجموعة من الأمور التي يمكن أنْ نفعلها لزيادة وعينا الذهني ومنها:

  • استرخاء الجسم والعقل: ويمكن أن تقوم بهذا عن طريق الجلوس بشكلٍ مريح، وربما تستطيع وضع بعض المُوسيقى الهادئة.
  • التركيز على شيءٍ ما: يمكنك تمرين تركيزك عن طريق التركيز على أي شيء تريد ولكن معظم النّاس يقومون بالتركيز على أنفاسهم لأنهم يحملونها معهم ويشعرون بها. في الحقيقة إنّ عملية التركيز أمر صعبٌ للغاية وتشبة صعوبة التركيز بالحروق الذهنية التي تصيب الشخص ولكن سرعان ما تتلاشى هذه الحروق مع المُمارسة.
  • لا تلقِ أحكاماً على أفكارك أثناء الاسترخاء: دعها تأتي وتَذهب كما تشاء، لا بدّ أنّ هذه المُمارسة مِنْ أصعب المُمارسات التي يمكن أن تقوم بها لأن الطبيعة الإنسانيّة تميل للحكم على نفسها، لكنْ كلّ ما عليك فعله هو مُلاحظة ما يحصل دون اتخاذ أي حكم أو إجراء.

إنّ الهدف الرئيسي من ممارسات التأمُّل الذهنيّ هو التّدرب على استحضار الوعي خلال التّفكير في جميع الأوقات والتقليل من المُمارسات والعادات التي نقوم فيها في الجُزء اللاواعي من العقل. فإذا تمكنتَ من إدارة ذلكَ بين الحين والآخر فستبدأ ملاحظة تفكيرك في العادة قبل فعلها والتّفكير بنتائجها بعقلانيّة، ومن هذه المرحلة تستطيع التّحكم بعاداتك وتغيير السيئة منها.

علم النفس وتغيير العادات

من المؤكد أنّه لا يمكن حلّ أزمة السُّمنة دُفعةً واحدةً. ولأن الجميع يتطلع إلى التّخلُّص من السُّمنة في وقتٍ وجيز، غالبًا ما تفشل الحمية الغذائيّة التي يقومون بها، لأنّه من الصّعب جدًا أن يقوم الشخص بإجراء تغييرات على أكثر من عادة دُفعةً واحدة، حيثُ إنّ علم النّفس يحاول إجراء تغييراتٍ جذريّة في نظام الأكل دفعةً واحدةً وهذا ما لا يُمكن إجراؤه بسهولة. فإنّ اتخاذ مثل هذا الإجراء يُولّد إرادةً ضعيفةً لدى الشخص في الالتزام بكسر هذه العادة.

عادة الأكل من العادات القوية جدًا فلا بُدّ أن تُعامل بشكلٍ تدريجيّ. في البداية عليك تحديد عاداتك التي تؤدي إلى تلكَ العادة فعلى سبيل المثال لو كنتَ تأكل كلّما شعرت بالملل عليكَ أنْ تُشغل وقتكَ بشيء آخر. أو لو كانت ساعات العمل الطويلة هي التي تجعلك تتناول الوجبات السريعة حاول أن تصنع وجبتكَ بنفسك وتأخذها إلى العمل.

فبملاحظتكَ لهذه الأمور يُمكنكَ تدريجيًا مُلاحظة عادتك التي تسعى لكسرها، ومع المُمارسة يُمكنك التّخلُّص من هذه العادات شيئًا فشيئًا وتطوير دات جيدة . ولكن النقطة الأهم هي التّأكُّد من سلامة النيّة من حين لآخر عن طريق استحضار النتائج السيئة المُترتّبة على هذه العادة.

سبع خطوات بسيطة لتطوير عادات جيدة

1. التعرف على العادة

كما ذكرنا، في معظم الأوقات لم نعد مدركين لعاداتنا، سواء كانت جيدة أو سيئة، لذا فإن أول شيء نحتاج إلى القيام به هو أن نكون مدركين.

إذا كان هذا السعال يزداد سوءًا، أو إذا شعرنا بصعوبة في التنفس بعد صعود بعض السلالم، فمن المحتمل أن تكون العادات السيئة (التدخين)، أو عدم وجود عادة جيدة (ممارسة الرياضة) هو السبب.

ربما تكون أوضاعنا المالية في حالة من الفوضى، مما يعني أننا اعتدنا على إنفاق أكثر مما نكسب، أو عدم ممارسة العادة الجيدة المتمثلة في الحفاظ على الميزانية والالتزام بها. حان الوقت لفحص عاداتنا!

2. اكتب أهدافك

ابدأ بكتابة العادات السلبية التي تأمل في التخلص منها والعادات الإيجابية التي ترغب في بناءها. إذا كان ذلك مفيداً، فاستخدم الملاحظات اللاصقة لوضع تذكيرات بأهدافك في المكان الذي تأمل فيه تكوين عادة جديدة، مثل مرآة الحمام أو الثلاجة أو طاولة المكتب.

3. تجنب المغريات

المفتاح لوقف العادات السيئة هو القضاء على الأنشطة والأشخاص والأماكن التي تثير هذه العادة في المقام الأول. على سبيل المثال، إذا كنت تميل إلى الإنفاق الزائد عندما تتسوق في متجر معين، فاختر التسوق في متجر أقل إغراءً.

4. حدد السبب الجذري لعاداتك

تتطور العادات من استجابتك للرغبة الشديدة. الإشارات غالبا ما تسبب الرغبة الشديدة عبر تحفيز عقلك للحصول على المكافآت. يمكن أن يساعدك تحديد نوع المكافأة التي تبحث عنها في اتخاذ قرارات أكثر حكمة وتخلص من العادات السيئة في مهدها. على سبيل المثال، قد تلجأ إلى الأطعمة المقلية للتعامل مع يوم مرهق، على الرغم من أن الطعام الصحي سيجعلك تشعر بتحسن.

يمكن أن يساعدك تحديد ما يبحث عنه جسمك أو عقلك في الحصول على مزيد من ضبط النفس واتخاذ قرارات من شأنها تطوير عادات إيجابية.

5. ركز على إجراء تغييرات صغيرة

قد يكون تغيير عادة موجودة أو بناء عادة جديدة أمر مربك. طريقة فعالة لإجراء تغييرات كبيرة على عادتك اليومية هي البدء بخطوات بسيطة. ركز على ممارسة العادات الصغيرة باستمرار. على سبيل المثال، إذا كنت ترغب في ممارسة المزيد من التمارين، فابدأ بالمشي لمدة خمس دقائق كل يوم.

6. ضع روتين يومي

الاتساق هو أحد أقوى الأدوات لتغيير سلوكك. بمجرد تحديد العادات الصحية التي تأمل في دمجها في حياتك، اختر وقت من اليوم لممارستها والتزم بها.

الخاتمة

إنّ العادات هي من تصنع حياتنا، وهي التي تحدد جودتها. فتطوير العادات الجيّدة مغناطيس الحياة السليمة. والإنسان السليم هو الذي يضع لنفسه فترات تَفقُّد لحياته وعاداته. حيثُ إنّ منطقة الخطر في العادات هي عدم معرفتكَ متى تتحوّل هذه الممارسة إلى عادة، وما مدى قوّتها، وهل يمكن لنية الشخص التّغلب على هذه العادة أم أنّ العادة ستغلبه؟