كيفية اكتساب مهارات جديدة بسرعة وإتقان

كثيرةٌ هي القيود التي تردعنا عن اكتساب وتعلم مهارات جديدة! جملةٌ كهذه تتكرر دوماً في عقل كلّ من يرى أنّ أحلامه صعبة المنال. لكنّ هذه القيود الواهنة ما هي إلّا مجرد أوهامٍ مزروعةٍ في عقلنا الباطن نتيجةً لثقافة التّقاعس عن السعي وراء الأحلام.

ماذا لو أخبرتك أنّ بإمكانك أن تتقن مهارة الرسم أو السباحة التي لطالما حلمت بامتلاكها؟ أو أنّك تستطيع أن تنفض الغبار عن البيانو الذي تملكه في منزلك وتبدأ بالنقر على أزراره بإتقان؟

قد تضحك على هذا الكلام وتتبادر إلى ذهنك الذكريات عن عدد المرات التي تمنيت بها تحقيق هذه الرغبات، ولكنّ عامل الوقت لم يكن ليقف في جانبك يومًا ليساعدك على هذا.

هذا المقال سيكون بمثابة القشة التي ستنقذك من مستنقع الأوهام والإحباط الذي تغرق فيه، فمن خلاله ستتعلم كيف يمكنك أن تبدأ باكتساب المهارات المدونة في قائمة أحلامك منذ أمدٍ بعيد، وكيف تستطيع فعل ذلك برغم جدول أعمالك المتخم بالمهام الأخرى، وبأقل جهدٍ يذكر.


قد يهمك ايضاً:


تعلّم بذكاءٍ بدلًا من أن تتعلّم بجهدٍ لاكتساب مهارات جديدة

بدايةً يجب أن تعلم أنّ التّدريب لاكتساب المهارة لا يعني بأنّك ستنافس بيتهوفن في العزف على البيانو! أو أنّك ستصبح ” تايجر وودز ” التّالي في لعبة الجولف!

إذا أردت الوصول إلى المستوى الاحترافيّ بالمهارة المكتسبة فإنّك ستحتاج إلى اتّباع منهجيّة التّدريب الموزون، والّذي يقتضي منك اتّباع تدريبٍ مستمرٍّ لوقتٍ طويلٍ – يصل إلى عشرة آلاف ساعةٍ – حتّى تصبح محترفًا في المهارة. ولكن من يملك كلّ هذا الوقت؟

في الحقيقة؛ إنّ هذه الطّريقة لا تتوافق مع مبدأ الاكتساب السّريع الّذي نسعى للوصول إليه. سنركّز هنا على التّعلّم المحدود للمهارات؛ وذلك لتتمكّن من تعلّم أكبر قدرٍ من المهارات وسط جدول أعمالك المزدحم.

المنهجيّة المعتمدة هنا تهدف إلى تعليمك إتقان مهارةٍ ما بجودةٍ عاليةٍ من خلال جدولٍ وقتيٍّ يقدّر بعشرين ساعةً من الجهد الذّكيّ المركّز. وذلك من خلال تقسيم المهارة المراد تعلمها إلى أقسامٍ صغيرةٍ وتحديد الأجزاء الأساسيّة منها. ثمّ البدء في التّدريب المركّز على كلّ قسمٍ من هذه الأقسام لتكتسب المهارة بشكلٍ متقنٍ، والتّأكّد من تجريد نفسك من كافّة العوائق العاطفيّة والنّفسيّة الّتي قد تقف في طريقك أثناء اكتساب هذه المهارات.

المبادئ العشرة لاكتساب المهارات بسرعةٍ وإتقانٍ

هناك عشرة مبادئ أساسيّةٍ للوصول إلى اكتسابٍ سريعٍ للمهارات، وهذه المبادئ هي:

1. اختيار المشروع الّذي تملك له شغف خاصّ. فكلّما زاد حبّك وحماسك للمهارة زادت سرعة اكتسابك لها.

2. توجيه الطّاقة نحو مهارةٍ واحدةٍ في الوقت الواحد للتّخلّص من مشكلة تشتيت التّركيز.

3. تحديد مستوى الأداء الّذي تطمح بالوصول إليه، فهذا سيسهّل عليك الوصول إليه.

4. تقسيم المهارة الّتي تطمح لاكتسابها إلى مهاراتٍ جزئيّةٍ؛ لمساعدتك في تحديد الأكثر أهمّيّةً بينها.

5. اقتناء الأدوات اللّازمة لممارسة المهارة، فأنت لا تستطيع مثلًا تعلّم العزف على الغيتار دون امتلاكك واحدًا! فيجب أن تحدّد الأدوات والمكوّنات والبيئة الّتي تحتاجها لممارسة المهارة الّتي تودّ اكتسابها.

6. التّخلّص من العوائق الّتي قد تحدّ من أدائك، سواءٌ أكانت نفسيّةً أو عاطفيّةً أو ملهياتٍ من البيئة المحيطة.

7. تكريس وقتٍ محدّدٍ يوميًّا لاكتساب المهارة وممارستها، لا تلجأ إلى عذر ” عدم وجود الوقت الكافي ” بل اصنع الوقت الّذي تحتاجه لاكتساب المهارة.

8. القيام بتغذيةٍ راجعةٍ سريعةٍ. يجب أن تحصل على تقييمٍ لأدائك مباشرةً وذلك لمعرفة مواطن الخطأ والتّعديلات الّتي يجب أن تقوم بها لتحسين أدائك.

9. الحرص على ممارسة المهارة لوقتٍ محدّدٍ على دفعاتٍ صغيرةٍ؛ وذلك من خلال اقتناءٍ مؤقّتٍ وتعيين عشرين دقيقةً لممارسة المهارة وعدم التّوقّف نهائيًّا قبل أن تنتهي العشرين دقيقةً.

10. التّركيز على العدد والسّرعة، فالممارسة بتركيزٍ تؤدّي إلى سرعة اكتساب المهارة.

ضرورة السّيطرة على العوامل النّفسيّة والاتّجاه العقليّ قبل البدء باكتساب المهارات

هناك نوعان من العقليّات الّتي يمتلكها البشر: العقليّات الثّابتة والعقليّات المتنامية. يؤمن أصحاب العقليّات الثّابتة بعدم إمكانيّة التّطوّر والقدرة على التّغيّر. لذا فهم يرون أنّ اكتساب المهارات أمرٌ صعبٌ أو حتّى مستحيلٌ؛ هذا لأنّهم يعتقدون بأنّك إن لم تولد وأنت تمتلك مهارةً أو موهبةً ما فإنّك لن تستطيع اكتسابها. بل وحتّى ينظرون إلى محاولات اكتساب المهارة على أنّها غير مجديةٍ وهي مجرّد استنزافٍ للطّاقات.

أمّا بالنّسبة لأصحاب العقليّات المتنامية فإنّهم يؤمنون بأنّ دماغ الإنسان كالعضلة؛ كلّما استخدمناه أكثر ازداد نموّه، لذا فهم يؤمنون بأنّ التّدريب المركّز والممارسة المستمرّة تؤدّي إلى اكتساب المهارات وتطوير القدرات، بالتّالي فإنّ امتلاك عقليّةٍ متناميةٍ يجعلنا واثقين أنّ جهودنا لن تذهب سدًى وأنّنا نستطيع حصد النّتائج واكتساب المهارات إذا ما قمنا بما هو مطلوبٌ منّا.

لا يحتاج الأمر أكثر من التّدريب المنظّم لمدّة عشرين ساعةً مع اختيار البيئة الملائمة

التّدريب الموزون والمركّز لا يعني أن تقضي السّاعات الطّوال في محاولة اكتساب المهارة. ولا يعني ذلك إفناء الذّات ووضعها تحت الضّغوطات للوصول إلى المستوى المطلوب.

إنّ الأمر أبسط من ذلك بكثيرٍ؛ كلّ ما عليك فعله هو تخصيص وقتٍ محدّدٍ يوميًّا للتّدريب على المهارة الّتي اخترتها والّتي ترغب في اكتسابها. وستدفعك عوامل الحماس والرّغبة تجاه هذه المهارة للالتزام بالوقت المحدّد يوميًّا. التزامك بهذا الوقت لفترة عشرين ساعةً سيجعلك تكتسب المهارة الّتي تريد ودون بذل جهدٍ كبيرٍ.

كما وتلعب البيئة المحيطة دور رئيسيّ في سرعة اكتساب المهارات. فلا ضير في تغيير البيئة المحيطة بك بشكلٍ يتلاءم مع متطلّبات المهارة الّتي تسعى لاكتسابها. على سبيل المثال تستطيع الانتقال لأسبانيا لفترةٍ قصيرةٍ كي تتعلّم اللّغة الأسبانيّة؛ وذلك لأنّك ستصبح مضطرًّا إلى استخدام اللّغة الإسبانيّة كلّ يومٍ، الأمر الّذي يؤدّي إلى سرعة اكتساب اللّغة.

مبادئ التّعلّم الفعّال والّتي تساعدك على تصحيح أخطائك والارتقاء بقدراتك

صحيحٌ أنّ ما نسعى للوصول إليه هو اكتساب المهارة وليس تعلّمها، لكنّ هذا لا يعني بأنّ تعلّم المهارة لا أهمّيّة له. فمن خلال معرفة المهارة الّتي تودّ اكتسابها ستتمكّن من ممارستها بفاعليّةٍ أكثر وتحديد الأخطاء الّتي ترتكبها أثناء ممارستك للمهارة وكيف تستطيع تصحيحها.

هذا يعني بأنّنا يجب أن نصل إلى تعلّمٍ فعّالٍ. ونستطيع الحصول عليه من خلال تطبيق المبادئ العشرة التّالية:

1. إجراء بحثٍ بسيطٍ ولمدّة عشرين دقيقةً حول المهارة المراد اكتسابها والمواضيع المتعلّقة بها.

2. التّفكير بالأمر في دماغك جيّدًا، وأن تتأكّد بأنّك قادرٌ على فهم المصطلحات المتعلّقة بهذه المهارة مع القدرة على تطبيقها.

3. معرفة النّماذج العقليّة وتحديدها، وذلك عن طريق إيجاد مصطلحاتٍ ومفاهيم خاصّةٍ بتعلّم المهارة والعلاقة الّتي تربط بين هذه المصطلحات، ممّا يجعل عمليّة تذكّرها وحفظها أسهل على الدّماغ.

4. عمليّة تكوين صورةٍ أو مخيّلةٍ في عقلك عن الّذي سيحدث لو لم يتمّ الأمر بالطّريقة المخطّط لها، هذا الأمر يؤدّي إلى إيجادك لعناصر مهمةٍ لم تحط بها علمًا من قبل.

5. تحديد توقّعاتٍ من خلال التّحدّث إلى الممارسين للمهارة؛ للاستفادة من التّقنيّات الّتي اتّبعوها، وتجنّب الوقوع في الأخطاء الّتي اقترفوها.

6. إقصاء الملهيات من بيئتك المحيطة.

7. التّكرار على فتراتٍ متباعدةٍ والتعزيز من أجل تحسين الذّاكرة، إذ يجب أن تستمرّ في مراجعة ما تعلّمته وذلك لضمان حفظه بشكلٍ دائمٍ في ذاكرتك.

8. إنشاء قوائم مرجعيّةٍ، وهي من أكثر الأمور المفيدة الّتي تعمل على تذكيرك بالمهامّ الّتي يجب عليك القيام بها أثناء التّعلّم.

9. إنشاء تنبّؤاتٍ واختبارها؛ وذلك عن طريق إنشاء فرضيّاتٍ عمّا ستؤول إليه الأمور واختبار صحّة هذه الفرضيّات والتّنبّؤات للوصول إلى الاكتساب سريعًا.

10. الالتزام بحدودك البيولوجيّة، يجب احترام احتياجات جسمك للرّاحة والطّعام والتّرفيه وغيرها من الأمور الّتي قد تهملها في سبيل تكريس وقتك للتّعلّم واكتساب المهارة.

بعض النّصائح قبل البدء في التّطبيق

لقد قمنا بتحديد المبادئ العشرة الأكثر أهمّيّةً للوصول إلى اكتسابٍ سريعٍ وتعلّمٍ فعّالٍ للمهارات، ولكن يجب التّنويه إلى أنّ تطبيق هذه المبادئ العشرة جميعها ليس بالأمر الهامّ.

كلّ ما عليك فعله في كلّ مرّةٍ تودّ البدء بها في اكتساب مهارة ما هو: كتابة هذه المبادئ في قائمةٍ مرجعيّةٍ وتحديد أيّها تحتاج لتكتسب المهارة الّتي تطمح إلى اكتسابها.

ومهما اختلفت المهارات الّتي تطمح إلى اكتسابها فإنّ طريقة الاكتساب لن تتغيّر. فمن خلال المبادئ المذكورة سابقًا تستطيع اكتساب أيّ مهارةٍ تريد من خلال اتّباع ممارسةٍ مركّزةٍ للمهارة على مدى عشرين ساعةً موزّعةً على فتراتٍ يوميّةٍ.

وإيّاك والحدّ من قدراتك من خلال الحجج والأعذار الواهية. لا تضع عامل العمر كعائقٍ أمامك، ولا تترك الباب مفتوحًا أمام التّعليقات السّلبيّة القادمة من محيطك. فكلّ ما عليك فعله هو الإيمان بقدراتك واتّباع خطّتك بلا أيّ تأجيلٍ أو تأخيرٍ.

خلاصة القول

اكتساب المهارات ليس بالصّعوبة الّتي يتصوّرها البعض، بل إنّه أمرٌ في منتهى البساطة. كلّ ما عليك فعله هو تخصيص وقت من يومك لممارسة المهارة وتعلّمها وجعل هذا الوقت يدخل ضمن روتين حياتك اليوميّ.

كنّ جريئًا في اتّخاذ القرار. لا تدع الخوف والتّردّد يسيطران عليك ويمنعانك من البدء، فالكثير من الأشخاص يتّخذون من جدول أعمالهم الممتلئ ذريعةً لتأجيل البداية في اكتساب المهارات الّتي طالما حلموا بها.

الأمر الّذي يبدو صعب في البداية يغدو سهلًا مع الممارسة المستمرّة. وقد تعتقد أنّ المهارة معقّدةٌ ومن المستحيل أن تتمكّن من اكتسابها في البداية لكن مع الوقت ستكتشف أنّ الأمر يحتاج فقط إلى الإصرار والمثابرة.

حدّد المهارة الّتي تسعى إلى اكتسابها اليوم وقم بكتابة المبادئ في قائمةٍ مرجعيّةٍ، ابدأ في التّطبيق مع الحرص على الالتزام بالجدول الّذي تضعه لنفسك لضمان الوصول إلى الاكتساب السّريع للمهارات بالمستوى الّذي تطمح إليه. وتذكّر: أنت لست بحاجةٍ إلى أكثر من عشرين ساعةً من الممارسة المركّزة لاكتساب أيّ مهارةٍ.