كيف يمكنك تحويل مشاعر التوتر و القلق إلى طاقة إيجابية؟

التوتر هو جانب طبيعي وحتمي من جوانب الحياة. كان أسلافنا القدماء يتعرضون لمشاعر الإجهاد والتوتر، وهذا هو ما سمح لهم بالبقاء على قيد الحياة. إذا اقترب ثعبان سام في البرية، فإن رد فعلهم الناتج عن التوتر تبدأ، مما يجبرهم على الفرار أو القتال. ضمنت هذه الاستجابة للخطر بقائهم على قيد الحياة، وقد انتقلت هذه الغريزة إلينا. 

تكمن المشكلة في أننا نرد الآن بنفس الطريقة على جميع أنواع الأشياء التي لا تهدد بقاءنا – فالخلاف مع رئيسك في العمل أو مشكلة في علاقتك لن يقتلك مثل لدغة الأفعى، لكن أجسامنا تتفاعل الآن بنفس الطريقة. 

إقرأ ايضاً:

إن عالمنا سريع الخطى والتعطش للنجاح يزيدان من مستويات التوتر لدينا.

ربما قد سمعت التحذيرات. تدفعنا حياتنا المزدحمة إلى دوامة من التوتر. يخبرنا خبراء الصحة في جميع أنحاء العالم أن نبطئ، ونأخذ إجازة، وننفذ المزيد من التوازن بين العمل والحياة. 

لقد مارس الكثير منا اليوجا والتأمل لتهدئة أعصابنا، أو ببساطة أخذنا حبوب لمساعدتنا في الحصول على قسط من النوم.

كل هذا يثير السؤال، لماذا نحن متوترون للغاية؟

وفقاً لمؤلف كتاب The Stress Code ريتشارد ساتون، تعتمد صحتنا الجسدية والعقلية على قدرتنا على تحقيق التوازن في حياتنا. إذا كنا متوازنين، فنحن قادرون على التنقل بسهولة بين النشاط والراحة.

المشكلة هي أن المجتمع الحديث يجعل من المستحيل علينا الحفاظ على توازننا لعدة أسباب.

السبب الأول، أن الاتصال المستمر عبر التكنولوجيا يجعل من الصعب علينا الدفاع عن وقت فراغنا. نحن متواجدون على مدار 24 ساعة للرد على مكالمات العمل أو رسائل البريد الإلكتروني، أو الرد على الأصدقاء أو العائلة الذين يحتاجون إلى دعمنا. 

نتيجة لذلك، تمتلئ جداولنا بالأشياء التي يجب القيام بها والأشخاص الذين يجب علينا مقابلتهم – بينما غالباً ما يتم ترك الوقت المخصص لأنفسنا خارج القائمة.

سبب آخر هو هذا: الإعجاب بالنجاح وعدم التسامح مع الفشل في مجتمعنا سرعان ما أصبح هو القاعدة. 

سواء أدركنا ذلك أم لا، فنحن نسعى جاهدين لنكون احسن وأفضل مما كنا عليه في أي وقت مضى. إن رغبتنا في المنافسة، والنجاح في نهاية المطاف، تتزايد في نفس الوقت. 

كذلك، أصبحت بيئات العمل الآن تتكون من ساعات عمل أطول وأسابيع عمل أطول وإجازات سنوية أقل. لذلك، ليس من المستغرب أن ترتفع مستويات التوتر لدينا.

التوتر هو عملية ذات موجتين لها تأثيرات إيجابية وسلبية على جسمك.

عاش أسلافنا في ملاجئ في البرية وجمعوا طعامهم من البرية. كانوا يواجهون كل يوم تهديدات حقيقية مثل محاولة مجتمع مجاور لسرقة إمداداتهم، أو حيوان بري يبحث عن فريسته. التوتر الذي شعروا به كان سببه هذه التهديدات.

في لحظات الخطر الشديد، تعلمت أجسامنا إصدار استجابة للتوتر – وهي آلية بيولوجية يمكنها حشد الأنظمة الرئيسية في الجسم معاً لحمايتنا من الأذى.

تقوم استجابة التوتر بعدد من الأشياء: فهي تطلق الطاقة، وتعزز قوة العضلات، وتعزز الحدة العقلية، بل وتعزز مقاومة الألم. إنه أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت البشر قادرين على البقاء على قيد الحياة كل هذه السنوات.

إذن، ماذا يحدث لنا عندما نشعر بالتوتر؟ 

تنقسم استجابة أجسامنا لمشاعر التوتر إلى موجتين: 

الموجة الأولى هي رد فعل القتال أو الهروب الصادرة عن منطقة ما تحت المهاد – مركز التحكم في دماغنا. هذا التفاعل ينشط الجهاز العصبي الودي بسرعة ويطلق هرمون الأدرينالين.

أولاً، لنتحدث عما يحدث لجسمك عند إطلاق الأدرينالين. 

  • يرفع معدل ضربات القلب، 
  • ويحسن الدورة الدموية في الدماغ والأطراف، 
  • ويطلق الطاقة في مجرى الدم، 
  • ويدفع جهاز المناعة إلى العمل لحمايتك من العدوى. 
  • كما أنه يزيد من حاسة الشم لديك ويحسن بصرك.

ثم تأتي الموجة الثانية من الاستجابة للتوتر، حيث يؤدي ارتفاع الأدرينالين إلى تحفيز الغدد الكظرية على إنتاج الكورتيزول. 

يساعد هذا الهرمون على تنظيم وظيفة الجهاز المناعي من خلال موازنة تأثير الأدرينالين. بدون الكورتيزول، يصبح جهاز مناعتنا مفرط النشاط ويضر الجسم نتيجة لذلك.

في هذه المرحلة، قد تعتقد أن استجابة الجسم للتوتر تبدو رائعة. من منا لا يريد زيادة المناعة و الحواس الخارقة؟

لكن أن تنشيط استجابة الجسم للتوتر يمكن أن يكون رائع على المدى القصير، ولكن على المدى الطويل، يمكن أن يكون مضر بصحتنا. وذلك لأن الكورتيزول والأدرينالين – اللذان يتم إطلاقهما في مجرى الدم عندما تكتشف أجسامنا تهديد – يمكن أن يكونا سامين للجسم عندما يكونا بكميات كبيرة. 

على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي ارتفاع الكورتيزول المزمن إلى عدد من المشاكل مثل: 

  • مشاكل الجهاز الهضمي 
  • وزيادة الوزن 
  • وفقدان الذاكرة. 

من ناحية أخرى، يرفع الأدرينالين من ضغط الدم ويمكن أن يزيد من خطر الإصابة بنوبة قلبية أو سكتة دماغية.

لذلك، يمكن أن تكون آثار التوتر مدمرة بعدة طرق. يمكن أن يكون للتوتر المزمن آثار صحية وخيمة على المدى الطويل، مثل زيادة خطر الإصابة بأمراض خطيرة. لكن لا تدع هذه المعلومات تحبطك. هناك طرق تساعدك على تحويل التوتر لطاقة إيجابية. 

التوتر ضار عندما تعتقد أنه كذلك.

أول ما تبدأ به هو طريقة تفكيرك في التوتر. في كتاب The Upside of Stress، يكشف عالم النفس Kerry McGonigal أن التوتر ضار عندما تعتقد أنه كذلك، لكن إذا نظرت إلى التوتر بشكل إيجابي ولديك عقلية إيجابية، فيمكن تحويل التوتر الى طاقة إيجابية تُاثر بشكل كبير على صحتك. 

إن رؤية التوتر على أنه أمر سلبي فقط يجعلك تتجنبه بأي ثمن مما يعني أن مشاكلك تتراكم، بينما إذا كنت تنظر إلى التوتر على أنه أمر إيجابي، فمن المرجح أن تتوصل إلى استراتيجيات وحلول.

في دراسة أمريكية أجريت عام 2006، اكتشف الباحثون أن المستويات العالية من التوتر تزيد من خطر الموت بنسبة تصل إلى 43٪. لكن هذا كان فقط بين الأشخاص الذين يعتقدون أن التوتر ضار. 

أولئك الذين أبلغوا عن مستويات عالية من التوتر ولكنهم لم يعتقدوا أنه ضار كانت احتمالية خطر الوفاة بينهم أقل من جميع المشاركين، مما أدى إلى استنتاج مفاده أن التوتر ضار – عندما تعتقد أنه ضار.

إذا كنت تعتقد أن التوتر يمثل مشكلة، فاعتبره فرصة للنمو والتعلم. يمكن أن يساعدنا تغيير وجهة نظرنا حول التوتر في التعامل معه بشكل أفضل وتحويل التوتر إلى طاقة إيجابية تدفعنا إلى الأمام.

إن رؤية الجانب الإيجابي للأحداث التي تسبب مشاعر التوتر يجعلك أكثر مرونة.

حاول أن تتذكر وقت في حياتك أدى إلى تغييرات إيجابية أو تحديد هدف جديد أو نمو شخصي كبير. ليس من المستبعد أن تكون هذه الأوقات قد أعقبت فترات كانت مرهقة للغاية. هذه هي مفارقة التوتر! 

فكرة أن ما لا يقتلنا يجعلنا أقوى ليست فكرة جديدة. يمكن العثور عليها في تعاليم الأديان والفلسفات القديمة. في الواقع، 82٪ من المشاركين في إحدى الدراسات، عندما سئلوا عن كيفية تعاملهم مع التوتر في حياتهم، ذكروا أن التجارب السابقة التي سببت لهم التوتر والإجهاد كانت مصدر للقوة. بمعنى آخر: الشدائد تساعدنا على التعلم والنمو.

أن عيش حياة محمية من مواجهة الشدائد يمكن أن يكون ضرها أكثر من نفعها. وجد عالم النفس مارك سيري أن الأفراد غير المعتادين على الشدائد هم الأقل مقاومة لها. 

درس مارك سيري وزملاؤه مجموعة تضم أكثر من 2300 شخص من خلال مطالبتهم بالإبلاغ عن تعرضهم طوال حياتهم لقائمة من الأحداث السلبية مجمعة في سبع فئات. 

ما اكتشفوه هو أن الأشخاص الذين عانوا من مستوى معتدل من المحن أبلغوا عن صحة نفسية و رفاهية أفضل ومرونة في التعامل مع حالات التوتر ورضا أعلى عن الحياة بمرور الوقت مقارنة بـ كلتا المجموعتين اللتين أبلغتا عن تاريخ طويل من الشدائد وأولئك الذين ليس لديهم تاريخ من المحن.

الحقيقة هي أن رؤية الجانب الإيجابي للأشياء يُحسن في قدراتنا على التكيف. بدلاً من الاعتماد على استراتيجيات تجنب غير فعالة، فإن الأشخاص الذين يرون الشيء الإيجابي عند مواجهة الشدائد قادرون على اتخاذ خطوات استباقية للتعامل مع ضغوطهم وتوترهم. 

حتى أجسامهم تظهر استجابة بدنية أكثر صحة للتوتر: بمعنى تعافي أسرع وخطر أقل من الاكتئاب والنوبات القلبية والأمراض.

خلاصة القول

على الرغم من الاعتقاد السائد، فإن التوتر ليس دائماً مضر بصحتك. إذا تعاملت مع التجارب المجهدة كشيء يمكن التعلم منها، فإنك بالتأكيد ستفعل. حتى استجاباتنا البيولوجية للتوتر يمكن أن تساعدنا في تقوية علاقتنا، واكتساب الثقة، وأن نصبح أكثر مرونة وكل هذا سوف يساعدك على تحويل التوتر إلى طاقة إيجابية.