كيف يتعلم الذكاء الاصطناعي الكتابة والرسم والتفكير الإبداعي؟

الخوارزميات التي ترسم لوحات فنية سايكدلية، والتطبيقات التي تقوم بعمل مكياجك، والبرامج التي تنشئ صور لأشخاص غير موجودين. حتى لو لم تكن خبير في التكنولوجيا، فمن المحتمل أنك قرأت عن بعض التطورات الحديثة للذكاء الاصطناعي في موجز الأخبار. 

تتعلق العديد من العناوين الرئيسية بغزو الذكاء الاصطناعي للفن والموسيقى وغيرها من مجالات الإبداع البشري.

ربما يكون إبداع الذكاء الاصطناعي موضوع ساخن لأن الإبداع هو أحد أكثر ميزات البشر. في الواقع، قد يكون دافع الإنسان للتعبير عن نفسه من خلال الفن أقدم من الإنسان الحديث.

على سبيل المثال، وجد علماء الآثار قواقع منحوتة عمرها 500000 عام في جزيرة جاوا يعتقدون أنها من عمل الإنسان المنتصب، سلف كل من الإنسان البدائي ونحن.

إذا كان الإبداع اقدم من البشر، فهل من الممكن أن يتجاوزنا؟ هل يمهد انتشار الذكاء الاصطناعي الطريق بالفعل للخطوة التالية من التطور والإبداع – مما قد يؤدي إلى ظهور آلات الذكاء الاصطناعي التي تصنع اللوحات والموسيقى والأدب الخاص بها؟

يتعلق الإبداع باستكشاف ودمج وتحويل الأشياء الموجودة لصنع شيء جديد.

دعونا نواجه الأمر: من نواح كثيرة، أجهزة الكمبيوتر أكثر ذكاءً من الأشخاص. يمكنها تخزين المزيد من الحقائق، ومعالجة أعداد أكبر من البيانات، وهن أفضل في التهجئة. ربما يكون الشيء الوحيد الذي لا يزال بإمكاننا كبشر أن نستمتع به هو إبداعنا.

بالتأكيد لا يمكن لآلة أن تأتي بنكتة، أو تؤلف سيمفونية أو تكتب كتاب – أو ربما تستطيع ذلك؟ للإجابة على هذا السؤال الوجودي، دعنا أولاً نلقي نظرة على ما نعنيه عندما نتحدث عن الإبداع.

أن تكون مبدعاً يعني أن تبتكر شيء جديد ومدهش وذا قيمة. يشتهر الرسام الفرنسي كلود مونيه بلوحاته الجميلة زنابق الماء – لكن لوحاته أكثر من مجرد جميلة. وضع طبقات على بقع من اللون بدلاً من استخدام ضربات الفرشاة التقليدية، أظهر مونيه للعالم طريقة جديدة لتقدير التفاعل بين الضوء واللون. 

لقد ألهم أسلوب الرسم الجديد هذا، المسمى بالانطباعية، أجيال من الفنانين و ساعد في تمهيد الطريق من الفن التصويري إلى الفن التجريدي.

مثلما تغيرت أفكارنا حول الفن على مر القرون، كذلك تطورت أفكارنا عن الإبداع باستمرار. غالباً ما نقيس عمل إبداعي بمدى اختلافه عن تلك التي جاءت من قبل.

لنأخذ بعين الاعتبار ملحّن القرن العشرين أرنولد شوينبيرج. كان الملحنون قبل شوينبيرج يعتبرون أن المفتاح المركزي، أو النغمة، هو الأساس لأي لحن. تجاهل شوينبيرج بجرأة هذه القاعدة لاختراع اللامقامية أو اللالحنية – مما جلب للعالم ملذات استماع غير متوقعة.

أنواع الإبداع

تسمي العالمة المعرفية مارجريت بودن هذا النوع من الإبداع بالإبداع التحويلي الذي يخالف القواعد. يمكن للإبداع التحويلي أن يلغي تماماً ما نعتقد أنه ممكن في مجال معين.

بالإضافة إلى ذلك، حددت مارجريت نوعين آخرين من الإبداع. وتقول إن عمل مونيه يُظهر إبداع استكشافي – ويستكشف ما هو ممكن ضمن قواعد الانضباط. لا يزال مونيه يصور زنابق الماء بطريقة رمزية، لكنه فعل ذلك بطريقة انطباعية جديدة تماماً.

النوع الثاني هو الإبداع الاندماجي ويعني القدرة على دمج الهياكل التي، ظاهرياً، قد لا تنتمي لبعضها البعض. تترجم المهندسة المعمارية المعاصرة زها حديد حبها للفن التجريدي إلى مبانٍ مستحيلة المظهر ورشيقة. 

مركز حيدر علييف الذي صممته في أذربيجان، على سبيل المثال، يبدو شبه صدف ضخم أكثر من ماهو مبنى. كذلك، يعتبر مبانيها مثال رائع للتطبيقات العملية للإبداع. اتضح أن الإبداع ليس فقط للفنانين.

الإبداع البشري هو الدافع للفن والرياضيات أيضاً.

أن تكون مبدعاً يعني ثني – وأحياناً كسر – القواعد لابتكار شيء جديد. لكن هذه المهارة لا تقتصر على الفن والموسيقى والأدب. انظر عن كثب، وستجد الإبداع في أماكن لم تكن تتوقعها أبداً، مثل مجال الرياضيات.

لفهم كيف يكون علماء الرياضيات مبدعين، يجب علينا أولاً أن نفهم ما يفعلونه.

يستخدم عالم الرياضيات الحجج المنطقية لإثبات النظريات من البديهيات. البديهيات هي عبارات رياضية نفترض أنها صحيحة. على سبيل المثال، نفترض أن:

1 = 1√

النظرية هي البيان الرياضي الجديد الذي يحتاج عالم الرياضيات لإثباته. ربما نريد أن نثبت أن:

1 ≠ 1√

للقيام بذلك، يتعين علينا استخدام خطوات منطقية لربط البديهيات الموجودة حول الأرقام المربعة مع نظريتنا الجديدة. لكن الرياضيات المتقدمة هي أكثر بكثير من مجرد اتباع القواعد وتطبيق المنطق البديهي.

تماماً مثل الفن الجيد، تتطلب الرياضيات الجيدة التفكير خارج الصندوق ورواية القصص المقنعة. لا يريد علماء الرياضيات إثبات النظريات مملة والواضحة. يريدون إثبات النظريات الجريئة وغير المتوقعة وتعميق فهمنا للعالم. القيام بذلك يتطلب الحدس والإبداع.

حدسية بوانكاريه

عرض غريغوري بيرلمان هاتين الصفتين عندما أثبت حدسية بوانكاريه، وهي نظرية مشهورة الآن تصف جميع الأشكال الهندسية المختلفة في عالمنا. 

لإثبات النظرية، طبق قواعد منطقة مختلفة من الرياضيات. باستخدام الطريقة التي يتدفق بها السائل على سطح ما، كان بيرلمان قادر على وصف النطاق الكامل للأشكال التي يمكن أن توجد. أنتج إبداعه التوافقي رؤية جديدة ومدهشة لكوننا.

ولكن حتى عبقري مثل بيرلمان لا يستطيع القيام بعمله بمفرده. مع كل دليل ناجح، يصبح مجال الرياضيات أكثر تعقيداً. 

بالنسبة إلى تخصص قديم قدم الحضارة نفسها، فإن هذا يعني أن العديد من الحسابات أصبحت الآن معقدة للغاية لدرجة أنه حتى أعظم عالم رياضيات لا يستطيع حلها بالقلم والورق.

يحتاج علماء الرياضيات اليوم إلى أجهزة كمبيوتر لمعالجة كتلة الأرقام التي يتعاملون معها. أصبحت هذه الآلات لا غنى عنها. في الواقع، يصر عالم الرياضيات دورون زيلبرجر  على تضمين جهاز الكمبيوتر الخاص به، والذي يسميه شالوش بي إيخد، كمؤلف مشارك لأوراقه الرياضية. 

من خلال تحريرهم من الحسابات المملة وتقليل هامش الخطأ البشري، تسمح أجهزة الكمبيوتر لعلماء الرياضيات بالتفكير بشكل أكثر إبداعاً من أي وقت مضى.

الخوارزميات تشكل الحياة الحديثة.

يشترك علماء الرياضيات وأجهزة الكمبيوتر في شيء مشترك – كلاهما يتبع مجموعات من القواعد المنطقية للوصول إلى النتيجة المرجوة. تسمى القواعد المشفرة في الكمبيوتر الخوارزميات. يمكنك التفكير فيها على أنها مجموعة من جمل “شرطية” التي تخبر الكمبيوتر بكيفية التصرف. 

على سبيل المثال، قد يتبع عامل تصفية البريد الإلكتروني القاعدة، “إذا كانت رسالة بريد إلكتروني تحتوي على كلمة فياجرا، فضعها في مجلد الرسائل غير المرغوب فيها.”

لكن الخوارزميات تفعل أكثر بكثير من فرز رسائل البريد الإلكتروني.

تستخدم شركات مثل Amazon و Netflix و Spotify الخوارزميات لإغراقك بالتوصيات. تحاول الخوارزميات الخاصة بهم التنبؤ بالموسيقى أو الأفلام أو المنتجات التي قد تعجبك، بناءً على اختياراتك السابقة.

الشيء الأكثر إثارة للجدل، أن الخوارزميات الآن تختار لنا شركائنا الرومانسيين. يقوم موقع المواعدة OkCupid بتقييم سمات شخصيتك، وما يعجبك وتكره للعثور على المطابقات. 

في دراسة حديثة عن الأزواج الذين تزوجوا بين عامي 2005 و 2012، أظهرت الدراسة أن الازواج الذين التقوا عبر الإنترنت أكثر سعادة من الأزواج الذين التقوا خارج الإنترنت. 

هل الخوارزميات تعرف شيء لا نعرفه؟

 الإجابة، غالباً ما تعمل الخوارزميات عن طريق طرح طبقات مختلفة من الأسئلة بستخدام كميات هائلة من البيانات. 

هل تساءلت يوم عن كيفية ظهور موقع ويب على أول نتائج بحث Google؟ تقيس خوارزمية البحث الخاصة ب Google قيمة موقع الويب عن طريق السؤال عن عدد المواقع الأخرى المرتبطة به. ثم، باستخدام نفس المقياس، تسأل عن مدى قيمة تلك المواقع الأخرى. 

إذا كان موقع الويب الخاص بعملك مرتبط بالعديد من مواقع الويب عالية الترتيب مثل CNN، فسيصعد إلى أعلى نتيجة في تصنيفات البحث. هذا يخلق نظام معقد للتقييم الشامل يتطلب جمع ومقارنة بيانات أكثر مما يمكن أن يتعامل معها عقل بشري.

علاوة على ذلك، تزداد ذكاء العديد من الخوارزميات كلما تفاعلت معها. ربما لاحظت أنه كلما زاد استخدامك لـ Netflix أو Amazon أو Spotify، يبدو أن هذه الخدمات “تتناسب” مع ذوقك. هذا لأنه في كل مرة تستخدمها، فإنك تمنح خوارزمياتها المزيد من البيانات لتحليلها. وتتعلم الخوارزميات قراءة بياناتك بشكل أفضل.

مع مرور الوقت، ستفهم Netflix أنك شاهدت Sleepless ليس لأنك معجب كبير بـ الكوميديا ​​الرومانسية، ولكن لأنك معجب بتوم هانكس. بدلاً من إعطاء توصية لمسلسل Notting Hill، قد توصي مسلسل Forrest Gump. قدرة الخوارزميات على التعلم بهذه الطريقة غيرت آفاق إبداع الذكاء الاصطناعي.

يتم استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء الموسيقى والفن والأدب.

أجهزة الكمبيوتر التي تصنع الفن المرئي ليست جديدة في الواقع. في وقت مبكر من عام 1965، قام مهندس شركة سيمنز Georg Nees ببرمجة جهاز كمبيوتر لإنشاء رسومات بمفرده. بدأ برنامج Nees من نقطة ثابتة على الشاشة، حيث رسم 23 خط متصل بأطوال عشوائية في اتجاهات عشوائية. وكانت النتيجة سلسلة رائعة من الرسومات الهندسية.

تم تطوير ذكاء اصطناعي أكثر تقدماً في صناعة الفن بواسطة عالم الكمبيوتر أحمد الجمال من جامعة روتجرز. طور الجمال الشبكات التوليدية التنافسية أو GAN، يمكنها تصنيف وإنتاج صور للفنون المرئية.

GAN عبارة عن نظام من خوارزميتين تتعلم فيهما إحدى الخوارزميات وتتغير بناءً على تعليقات الأخرى. يعكس GAN الخاص بالجمال النظامين المتنافسين لأدمغتنا الإبداعية: المبدع والناقد. في حين أن إحدى الخوارزميات مكلفة بإنشاء الصور، فإن الخوارزمية الأخرى تحكم على أصالتها.

لقد وصلت أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى عالم الكتابة أيضاً. تستخدم العديد من وسائل الإعلام بالفعل برامج معالجة النصوص لتوليد نصوص الأخبار. بالنظر إلى البيانات الأولية، يمكن لهذه البرامج كتابة نصوص قصيرة ومتماسكة تتبع هيكل منشور إخباري نموذجي. 

هذا مفيد بشكل خاص لتقارير الرياضة وسوق الأسهم، حيث أصبحت كمية البيانات التي يتم إنشاؤها كل يوم مملة للغاية بحيث يتعذر على البشر التعامل معها.

على غرار أنظمة الذكاء الاصطناعي الموسيقية، يمكن لبرامج الكتابة الحديثة أن تتعلم الكتابة بأسلوب مؤلف معين. بتحليل اختيار الكلمات وبنية الجملة، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يخرج فقرة تبدو وكأنها مكتوبة بواسطة إرنست همنغواي

قد يهمك ايضاً: الكتابة بخط اليد: تعرف على الفوائد النفسية للكتابة اليدوية

تعد أنظمة الذكاء الاصطناعي أدوات إبداعية مفيدة، لكنها ليست مبدعة في حد ذاتها.

على الرغم من أنه لا يزال هناك مجال للتحسين التقني، فلا شك في أن الذكاء الاصطناعي يصنع بالفعل أشياء رائعة من الفن والموسيقى والكتابة. 

لكن الإبداع لا يتعلق فقط بمعالجة المدخلات وتوليد المخرجات. لا يزال رسم شيء ذي قيمة إبداعية بواسطة الذكاء الاصطناعي يتطلب تدخل بشري.

يمكن لأجهزة الكمبيوتر معالجة بيانات لا نهائية دون الاهتمام بالمعنى المرتبط بها. لكن بالنسبة للبشر، فإن الإبداع يدور حول المعنى. الفن والموسيقى والأدب هي مجالات لاستكشاف إنسانيتنا المشتركة وإنتاج رؤى جديدة في العالم.

علاوة على ذلك، نحن مبدعون بإرادتنا الحرة. لم يقم الرسامين والكتاب بإنشاء أعمالهم لأن أحدهم طلب منهم ذلك. لقد ابتكروا عملهم لأنهم شعروا بالحاجة إلى التعبير عن أنفسهم. 

لم يقم أي الذكاء الاصطناعي حتى الآن بإنشاء قطعة فنية بمحض إرادته على الرغم من قدراته الضخمة. هذه البرامج ترسم وتكتب وتؤلف لأن البشر برمجوها للقيام بذلك. هذا هو السبب في أنه من المبالغة وصف الذكاء الاصطناعي بأنه مبدع في حد ذاتها. في نهاية المطاف، فإن الإبداع البشري هو الذي خلق الذكاء الاصطناعي في المقام الأول.

خلاصة القول

بفضل التعلم الآلي، تجاوز إبداع الذكاء الاصطناعي العديد من توقعاتنا السابقة. على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي ما زال يكافح للتعرف على الصور وفهم اللغة، إلا أن أجهزة الكمبيوتر تخلق أعمال رائعة من الفن والموسيقى والأدب.