ملخص كتاب المخبر الاقتصادي

“علم الاقتصاد يشبه الهندسة إلى حدٍّ بعيدٍ، أي أنه يخبرك بكيفية عمل الأشياء، وما قد يحدث لو غيرت هذه الأشياء”

كيف تعرف ما إذا كان المبلغ الذي أخرجته من جيبك يستحقّ تلك السلعة؟ أو أنك قد تعرضت لخديعةٍ ما؟ وقبل ذلك هل أنت محتاجٌ إلى تلك السلعة أصلًا؟ أم أنّ شركات الإعلانات جعلتك تشعر أنّ حياتك لن تكون مستقرةً بدون حيازتها.

تخيّل معي لو أنك رفضت دفع ثمن فنجان قهوتك حتّى تعرف تكلفة إنتاجه. أو أنك رفضت التّرجل من الحافلة العامة، حتى يشرح لك السائق لماذا تدفع نفس القيمة التي دفعها من نزل قبلك بمئتي ميلٍ. والأهمّ من ذلك هل تعرف لماذا وافقت شركة التأمين على منحك سقف ائتمانيّ كبير.

في الواقع لن تتوقف هذه الاسئلة عن الدوران في ذهنك حتى تقرأ ملخص كتاب المخبر الاقتصادي. فلماذا نضيّع الوقت هيّا بنا.


قد يهمك ايضاً:


تتحايل الشركات لمعرفة القدرة الشرائية للعملاء

هل فكرت يومًا لماذا تدفع ثلاثة دولاراتٍ ثمن فنجان قهوةٍ تحتسيه في ستاربكس مثلًا، وأنت تعلم أنّ تكلفته الحقيقية لا تتجاوز أربعين سنتًا؟ في الواقع، الأمر لا يتعلق بجودة القهوة ومذاقها فقط، فموقع المقهى الذي تتناول منه القهوة الثمينة يقع على طريقٍ يمرّ من أمامه آلاف الناس يوميًا.

تهتمّ الشركات التي تسعى إلى تحقيق النجاح وجني الأرباح باختيار موقعها قبل المباشرة بعملها. ويعود ذلك إلى دور الموقع المركزيّ في جلب الزبائن. ولهذا فإن أكبر المشاكل التي تواجه مشاريع الخدمات تتمثل في التّكاليف المرتفعة للمواقع الجيدة. وتعتبر الندرة قوةً تفاوضيةً كبيرةً، وتتمثل هنا في قدرة صاحب الموقع على فرض أسعاره على أصحاب المقاهي.

وفي المقابل تكون خيارات أصحاب المقهى في زيادة الأرباح محصورةً بين رفع الأسعار، فيقلّ عدد الزبائن، أو بين تخفيض الأسعار وزيادة عدد الزبائن لكن بهامش ربحٍ أقلّ. في المقابل استطاعت بعض الشركات القيام بفعل الأمرين معًا، هل تعرف كيف؟ دعني اشرح لك.

قامت بعض الشركات بتحديد سعرين مختلفين لنفس السلعة. على سبيل المثال، شركة كوستا (Costa) رفعت سعر نوعٍ من القهوة، وأوهمت الناس أن المال الزائد عن قيمة فنجان القهوة يقع في خانة التجارة العادلة، أي يذهب للمزارعين، ولكن في الحقيقة كان يذهب إلى خزائنهم.

وقد ظهرت إستراتيجياتٌ عديدةٌ تهدف إلى الكشف عن إمكانيات وحدود مقدرة الزبون المالية من أجل تحديد الأسعار بما يتناسب مع تلك الإمكانيات المتنوعة. كما فعلت شركة أمازون التي كانت تحدّد سعر الكتاب بناءً على القدرة الشرائية للأفراد، والتي كانت تحصل عليها من خلال وسائل التتبع في حواسيبهم الآلية.

ومن الأمثلة كذلك على هذه الإستراتيجيات: استهداف الفرد وإدانة الذّات، واستقطاب الزبائن عن طريق زيادة سعر منتجٍ ما وتخفيض سعر منتجٍ آخر رغم كونهما بنفس الجودة. وقد تبين بعد التجربة أنّ درجة نجاح أو فشل هذه الإستراتيجيات متفاوتةٌ وليست أكيدة.

الأسعار تقوم بإفشاء المعلومات وإظهار رغبات الناس

قد تستغرب حين تسمع كلمة الصدق في مباحث الاقتصاد. فكيف إذا عرفت أنّ الأسعار في الأسواق الحرة هي تجسيدٌ لقيمة الصدق. والمهمّ هنا هو معرفة كيف يتمّ ذلك؟

الجواب هو في أي نظامٍ سعرٍّي ينبع الصدق في العلاقة بين التاجر والمستهلك. إذ لا أحدٌ منهما مضطرٌّ للشراء أو البيع من الآخر. وهناك دائمًا فرصةٌ لقبول أو رفض السعر. فمثلًا، إذا لم تكن مستعدًّا لدفع أكثر من دولارٍ ثمنًا لكوب قهوةٍ، فلن تجبر على دفع أكثر من هذا الثمن، وأنت بالمقابل لن تجبر المتجر ليخفض السعر من أجلك.

إذن فإنّ ما تدفعه ثمنًا للسلعة هو ما تعتقد أنها تستحقه أو أنّ قيمتها لا تقلّ عن سعر العرض. لهذا تقرر تبديل المبلغ الذي في جيبك بهذه السلعة، وهذا يولد الفعالية في الإنتاج. لأنّ الأسعار تقول الصدق وتفشي المعلومات ممّا يدلّ على تفضيلات الناس ورغباتهم من مشترياتهم، فيأتي الاستثمار بناءً على تفضيلات الناس.

ومن أجل التعرّف على طبيعة الدول التي تخلو من الأسواق الحرة. ولماذا تقلّ الفاعلية فيها؟ يمكن التمثيل بنظام الضرائب لأنّ نظام الضرائب في أي دولةٍ يخلو من القيمة الأهمّ للأسواق الحرة وهي الصدق، لأنه من المستحيل معرفة القيمة الحقيقية للضرائب.

على سبيل المثال، من خلال التعامل مع السوق الحرة يمكن تبديل المنتج بناءً على السعر الّذي تقرر دفعه. ولكن في القطاع الحكوميّ المبني على الضرائب لا يمكنك الاختيار، لأنّ ما تدفعه كضريبةٍ لا يعكس القيمة الحقيقية للمنتج أو الخدمة.

هل فكرت مثلًا بتغيير قسم الشرطة في مدينتك لأنّ تعاملهم غير جيدٍ معك؟ هكذا ربّما تكون قد فهمت لمذا الدول التي تخلو من الأسواق الحرة، تضعف فيها الفاعلية وقدرة الإنتاج، ببساطةٍ لأنّ الأسعار لا تقوم بوظيفتها الحقيقية.

من خلال تحليلنا للأسواق نفهم طريقة عملها

من المشاكل المهمة التي تعيق سير الأسواق المثالية، مشكلة عدم التماثل المعلوماتيّ. والمقصود هو غياب المعلومات الداخلية عن المنتج عند أحد طرفي الصفقة، ممّا يجعله غير قادرٍ على الحكم على سعر السلعة.

وأكثر ما تتمثل هذه المشكلة في أسواق السيارات المستعملة، وأسوق التأمين الصحيّ. لهذا تكاد لا تجد سوق للسيارات المستعملة الجيدة. وقد تختفي أسواق التأمين الصحيّ ذات يومٍ، لأنه ما دامت صناعة التأمين قائمةً على الجهل المتبادل، فإنّ أيّ تقدمٍ في مسار الطبّ سوف يعني مزيدًا من المعلومات.

وبالتالي ضربٌ في أساس هذه الصناعة، وحتى تتلافى هذه النتيجة تقوم شركات التأمين بابتكار طرقٍ يمكن من خلالها تحصيل معلوماتٍ عن حالة العملاء الصحية لتقوم بتحديد طبيعة التعاقد معهم.

يحدث الأمر في سوق الأسهم بشكلٍ مشابهٍ. فأنت تشتري الأسهم لأنك تتوقع ارتفاع سعرها بالغد، وتقوم ببيعها لأنّك تتوقع انخفاض سعره غدًا. وبناءً عليه لو كان كلّ المتعاملين في سوق الأسهم عقلانيين لتوقف العمل في السوق؛ لأن كلّ الاستنتاجات يمكن التنبؤ بها.

في المقابل لا يجدر بنا الوثوق بنظرية سير الأسهم العشوائية هذه لنهايتها، فسوق الأسهم يزخر بالفرص غير المستغلّة، والتي يمكن الربح الوفير من خلالها.

وأهمّ الركائز التي يجب الاهتمام بها: مساحة امتلاك الشركات صاحبة الأسهم على الندرة. فقيمة الأسهم ترتفع على المدى البعيد فقط إذا كان التّحوّل الاقتصاديّ يزيد درجة تحكّم الشّركات في الموارد النّادرة. وبذلك تبدأ المنافسة بينها. أما سؤال كيف نعرف قيمة الموارد النادرة التي تمتلكها الشركات؟ فالجواب هو في نظرية الألعاب.

اعتمد خبراء الاقتصاد على نظريّة الألعاب وشاع تطبيقها

يخبرنا الاقتصاديون أن الربح يوجد حيث توجد الندرة، وبقي عليهم أن يخبرونا كيف يمكن تحديد قيمة الندرة. والعجيب أنهم فعلوا ذلك من خلال نظرية الألعاب التي كان أشهر مؤسسيها عالم الرياضيات جون فون نيومان (John von Neumann).

توضّح النظرية أنّ اختيار الطريق الأمثل والأكثر صحةً في اللعب، يكون من خلال التركيز على التنبؤ بالسلوك أكثر من النتيجة بحدّ ذاتها. ومن الأمثلة على هذه النظرية لعبة البوكر، التي يمثّل المفتاح الرئيس فيها براعة التخمين والخداع المدروسة.

وتطبّق بعض الحكومات نظرية الألعاب لمعرفة القيمة التي سوف تطلبها ثمنًا للخدمات التي تريد تأجيرها للقطاع الخاصّ.

استخدمت بريطانيا نظرية الألعاب لمواجهة مشكلة اختيار الشركة المناسبة التي تستحقّ الحصول على الترخيص، والتي تستطيع دفع أعلى قيمةٍ له، وكان يجب على كل شركةٍ لا تكون مستعدةً لتغطية قيمة العطاء عند كلّ مرحلةٍ مغادرة القاعة.

وهكذا فإن كلّ شركةٍ تغادر القاعة تكون قد قدرت بأنّ أرباحها المتوقعة أقلّ من القيمة المطلوبة. وبذلك يتمّ استبعاد الشركات غير المؤهلة.

وفي النهاية استطاع المزاد دفع الشركات لقول الصدق فيما يخصّ قيمة أرباحها المتوقعة، وبالتالي تحصيل القيمة الأكبر مقابل الترخيص، والتي ما كانت الدولة لتحصل على نصفها من خلال التفاوض.

الفقر والفساد قرينان يحطان حيث يحطّ أحدهما رحاله

تعدّ مسألة الفقر في العالم مسألةً شائكةً ومعقدة،ً ولا يخفى أنّ فقر بعض الدول فيه مصلحةٌ لدولٍ أخرى.

لكن بالتأكيد، ليست الظروف الخارجية وحدها دائمًا الملامة؛ فهناك دولٌ ينبع فقرها من داخلها. عند الوقوف للتفكير بالدّول الفقيرة وللبحث عن أسباب فقرها لهذا الحدّ وعدم تطوّرها حتّى الآن، نجد أنّ أبرز هذه الأسباب هو انتشار الفساد.

ولا يتوقف خطر الفساد في نشره للظلم والجور، ولكن لأنه كذلك مصدر إهدارٍ كبيرٍ. وينخر الفساد في دوافع المجتمع ذاته، فما دام المواطن لا يسعى لدفع فواتير الهاتف لأنّ لا أحد سوف يحاسبه، فليس من المجدي افتتاح شركةٍ للهواتف. وكذلك ما دامت الوظائف لا توزع حسب القيمة العلمية فليس من المجدي قضاء الوقت في التعليم.

في إحدى المدارس الخاصة في الكاميرون، تبيّن أنّ مكتبة المدرسة ذات السمعة المذهلة هي نتيجة فساد مديرة المدرسة. فقد تمّ بناء هذه المكتبة الضخمة دون وجود حاجةٍ فعليةٍ لتكون بهذه الضخامة، واستخدمت المديرة الكثير من الأموال لذلك ولأجل تحقيق مصلحتها الشخصية واكتساب السمعة.

يمكن تعميم هذا المثال على كلّ مفاصل الدّولة؛ إذ يبتلى مجتمعٌ كاملٌ بأسره بالخراب بسبب انهيار قيم الحكومات الفاسدة. وقد لا تجد الدول الصغيرة مخرجًا في تحسين ظروفها سوى باللجوء لدعم الدول الكبرى.

كيف تحولت الصين من دولةٍ فقيرةٍ معدمةٍ إلى غنيةٍ

في عالمٍ يزخر بالعولمة لا يمكن للدولة أن تزيد من معدلات التنمية والرخاء الاقتصاديّ بدون ربط أواصر وثيقةٍ بينها وبين العالم. وكلما استطاعت الدولة المتقدمة التخلص من القيود التجارية، استطاعت زيادة قدرتها الإنتاجية. وذلك من خلال تركيزها على مواردها الأهمّ في تعزيز صادراتها، والاكتفاء باستيراد ما تحتاجه من الدول الأخرى.

وقد استفادت دولٌ فقيرةٌ هي الأخرى من التجارة الدولية، إذ ساهمت في رفع المستوى المعيشيّ لشعوبها من خلال تحسين الأجور وظروف العمل.

وبسبب كلّ هذه العوامل، أصبح سكان بعض هذه الدول الآن أغنى من آبائهم، وارتفع متوسط أعمارهم، كما تطور قطاع التعليم في مجتمعهم. وتعدّ الصين أبرز مثالٍ على هذه الدول، إذ طورت نفسها بنفسها وأصبحت حكومتها غنيةً وناجحةً بفضل تطور النظام التّعليميّ واتّباع سياسة الطّفل الواحد.

توالى على حكم الصين بعد وفاة الزعيم ماو الزعماء اهتموا بمصلحة دولتهم، لهذا ركّزوا على الدوافع الصحيحة في المجتمع. وفي كلّ مجالٍ إنتاجيٍّ ابتكرت الدولة طرقًا جديدةً لتحديد الدوافع في المسار الصحيح.

على سبيل المثال، الحرية التي منحتها الدولة للشركات والمؤسسات المملوكة لها في تصريف فائض الإنتاج، والتحول بشكلٍ متدرجٍ نحو نظام السوق ممّا جنب الدولة سلبيات مبدأ العلاج بالصدمة.

كذلك اهتمت الدولة بخلق مؤسساتٍ داعمةٍ لتحفيز العمليات التجارية. وشاع جوٌّ من الطمأنينة في حفظ الحقوق فارتفعت معدّلات الادّخار ارتفاع كبير. كذلك، عملت الشّركات الفعّالة على توسيع نشاطها، واختفت في المقابل غالبية الشركات الأقلّ فعاليةً مع مرور الوقت.

الخاتمة

لا يستطيع أيّ شخصٍ الغوص في عالم الاقتصاد، فهو عالمٌ متشعبٌ وغامضٌ ومتعدد الأوجه. ولا يوجد ضمانٌ للربح أو الخسارة فيه. ولهذا نجد أنّ الخبراء الاقتصاديين لا يعتمدون في معرفتهم فقط على حالة الأسواق وعمليات البيع والشراء. بل يتخطون حدود ذلك بالنهل من جميع مجالات المعرفة، بسبب شمولية مجالهم وتغطيته لجميع مناحي الحياة.