اسباب حدوث التفكير اللاعقلاني بين عامة الناس

هناك عدة اسباب لحدوث التفكير اللاعقلاني. عندما نلتقي بشخص جديد، غالباً ما نحكم عليه في لحظة، بناءً على مظهره فقط. هذا أمر شائع للغاية وغير عقلاني تماماً، حيث غالباً ما يتصرف الناس بشكل مختلف تماماً عما يَظهرون.

مامعنى التفكير اللاعقلاني؟

باختصار، فإن التفكير اللاعقلاني يعني تكوين استنتاجات لا تستند إلى المعرفة والعلم.

لذا، قد يكون من المنطقي أن يتسلق صبي شجرة لمحاولة لمس القمر. لكن نفس الفعل سيكون غير منطقي تماماً إذا قام به عالم فلك بالغ يعرف مدى بعد القمر عن الأرض.

إقرأ ايضاً:

الارتباط بين المعرفة والتفكير المنطقي.

في الأساس، يلعب اتساع معرفتنا وعلمنا دوراً في تحديد عقلانية أفعالنا وتفكيرنا. ولكن، بينما يعتمد التفكير العقلاني على المعرفة، يمكن أن تكون الاستنتاجات العقلانية خاطئة أيضاً.

على سبيل المثال، كأن يعتقد الناس منذ فترة طويلة أن جميع البجع بيضاء. كان هذا افتراض منطقي حتى تم اكتشاف القارة الأسترالية، حيث تنتشر البجعات السوداء.

هذا مثال على كيفية أن المعرفة الغير الكافية أو الزائفة يمكن أن تسبب إلى استنتاجات خاطئة، على الرغم من التفكير العقلاني. لكن لا يجب الخلط بين العقلانية الزائفة وبين اللاعقلانية.

يختلف التفكير اللاعقلاني من حيث أنه مقصود، وليس بالخطاء.

عند حدوث خطاء غير مقصود في عملية حسابية سيسبب إلى حدوث غير اكتمال او خلل في العملية الحسابية باكملها – لكنه لن يكون نتيجة لعدم اللاعقلانية.

سيكون التفكير اللاعقلاني هو عدم معرفة كيف آلية العملية الحسابية على الرغم من وجود معلومات كافية لفعل هذه العملية الحسابية. مثل الاعتقاد بأن شخص ما غير مناسب للعمل على الرغم من أن سيرتها الذاتية مناسبة تماماً لمتطلبات الوظيفة.

لذا، فإن اتخاذ قرار غير منطقي يتطلب اتخاذ إجراءات غير مدروسة. ولكن لماذا يفعل البشر ذلك؟

متى وكيف نتلقى المعلومات هو عامل رئيسي في التفكير اللاعقلاني.

كما تعلم، من المرجح أن تموت في حادث سيارة أكثر من هجوم قرش عليك أثناء السباحة في المحيط. على الرغم من ذلك، تسبب العرض الأول لفيلم Jaws لعام 1975، وهو فيلم عن سمكة قرش تاكل إنسان، في انخفاض حاد في عدد الذين يسبحون في بحر كاليفورنيا. كان سكان كاليفورنيا الخائفون يستسلمون لشيء يعرف باسم “خطأ التوافر”، حيث يتجاهل الناس بشكل غير عقلاني الحقائق المعروفة وينتبهون إلى المعلومات التي تترُك أكبر انطباع عنها، أو التي تتبادر إلى الذهن بسهولة أكبر.

بعبارة أخرى، ما هو “متوفر” بشكل مباشر.

يزداد ميولنا نحو خطأ التوفر، وبالتالي حدوث التفكير اللاعقلاني، عندما نواجه معلومات مشحونة عاطفياً. على سبيل المثال، العدد السنوي للوفيات من السكتات الدماغية أعلى 40 مرة من تلك الناجمة عن الحوادث.

ومع ذلك، لا يزال العديد من الناس يعتقدون أنهم أكثر عُرضة للوفاة في حادث لأن الحوادث مثل حوادث الطائرات تظهر بشكل مستمر في وسائل الإعلام وتكون مشحونة عاطفياً بشكل كبير.

في الواقع، فإن المعلومات التي نُشاهدُها مؤخراً والتي تكون مشحونة عاطفياً تأتي إلى أذهاننا أسرع بكثير من المعلومات الأخرى. نتيجة لذلك، يزداد احتمالية اشخاص لمشاهدة فيلم معين اذا كانو قد شاهدوا المقطع الدعائي للفيلم مؤخراً، أكثر مالو قرأو فقط عن الفيلم.

الصور ومقاطع الفيدوهات التي يتخللها عاطفية تكون “متاحة” في أذهاننا أكثر من النصوص المكتوبه. لذالك، يمكن أن يتسبب خطأ التوفر في جميع أنواع السلوكيات الغير عقلانية.

من الأمثلة البارزة ما يُعرف باسم خطأ الأسبقية، وهو موقف نُشكل فيه معتقدات غير عقلانية بناءً على الانطباع الأول. نفعل ذلك لأن انطباعنا الأول هو ما يأتي على الفور إلى أذهاننا

مثال آخر عن اسباب التفكير اللاعقلاني هو تأثير الهالة: عندما يكون لشخص ما سمة جيدة ملحوظة، فإننا نميل إلى الاعتقاد بأن لديه سمات جيدة أخرى أيضاً. على سبيل المثال، نميل إلى الاعتقاد بأن الأشخاص ذوي المظهر الجميل أذكياء أيضاً.

كيف إيقاف الأفكار اللاعقلانية؟

يعاني العديد من الأشخاص من أفكار غير منطقية تكون غالباً سلبية أو مزعجة. ربما تكون قد سمعت مصطلحات تتعلق بالتفكير غير العقلاني، مثل اجترار النفس، أو استنكار الذات، أو التهويل.

من أجل تغيير طريقة تفكيرك، من المفيد أن تكون على دراية بأنماط التفكير هذه أولاً. بمجرد أن تفهم طريقة تفكيرك، يمكنك تعلم كيفية معالجة أفكارك وإعادة صياغتها.

أنواع الأفكار اللاعقلانية

الفئات التالية هي أنواع شائعة من الأفكار غير المنطقية.

التوقع

عندما تتوقع، فأنت تتوقع حدث مستقبلي لم يحدث. يُعرف توقع حدوث الأسوأ أيضاً باسم التفكير الكارثي. 

على سبيل المثال، لنفترض أنك تخشى الطيران. أثناء ركوب الطائرة، قد تعتقد أن “هذا الاضطراب يبدو مخيفاً، وأنا أعلم أن هناك خطأ ما في الطائرة.”

تكمن مشكلة التنبؤ في أنه يغذي قلقك، مما يجعلك تشعر بمزيد من الخوف. مع نمو مشاعر الذعر، يخرج نمط تفكيرك خارج نطاق السيطرة.

قد تتصاعد نظرتك إلى أفكار مثل، “أنا أعرف أن هذه الطائرة ستتحطم” أو “إذا أصبت بنوبة هلع في الأماكن العامة، سأصاب بالجنون.”

هزيمة الذات 

يميل الأشخاص المعرضون للقلق أو الذعر إلى استخدام كلمات مثل “ينبغي” أو “احتمالية” أو “يجب” عند وصف أنفسهم ووضعهم. 

قد يكون لديك معتقدات مثل، “يجب أن أكون هادئاً على متن الطائرات”، “يجب أن أكون مرتاح في الأماكن العامة”، أو “يجب أن أكون فاشلاً”. مثل هذه الأحكام الذاتية القاسية لا تساعد في تقليل قلقك. التفكير بكل شيء أو لا شيء يؤدي إلى انتقادات ذاتية تغذي القلق.

عندما تصبح أكثر قلقاً، قد تغمرك أيضاً أفكار هزيمة الذات. قد تبدأ في إلقاء اللوم على نفسك لخوفك، معتقداً أنه نوع من الخلل من جانبك. يمكنك أيضاً استخدام الشتائم، مثل إخبار نفسك أنك “مثير للشفقة” أو “ضعيف”.

قد تبدأ في الإفراط في التعميم، حيث تعتقد أنك “لن تشعر أبداً بالرضا في الأماكن العامة” أو “ستشعر دائماً بعدم الارتياح”. كل هذه الأفكار الهدَّامة تزيد من مشاعر العجز.

قراءة الافكار

غالباً ما يتم تضخيم التوتر عندما نعتقد أن الآخرين يحكمون علينا. نوع آخر شائع من التفكير غير العقلاني هو عندما يشعر الشخص باستمرار أن الآخرين لا يوافقون عليه. من المحتمل أن يشعر هذا الشخص بالذنب والقلق.

حتى لو لم يكن هناك دليل على أن الآخرين يقيّمونك بشكل نقدي، فأنت لا تزال تعتقد أن الآخرين لديهم نفور منك. قد تشعر أيضاً أنك أقل من الآخرين، معتقداً أنك لا ترقى الى مستواهم.

عندما تقرأ الأفكار، يكون لديك أفكار مثل، “يمكنني أن أقول من خلال وجه المضيفة أن هناك مشكلة خطيرة في الطائرة.”

هذه العبارات الداخلية تزيد من مخاوفك. ستقودنا تحيزاتنا إلى افتراض أن شخص ما يحكم علينا ببساطة من خلال نظرة وجهه؛ في الواقع، ليس لدينا أي فكرة عما يفكرون فيه أو يشعرون به.

ما الذي يسبب الأفكار اللاعقلانية؟

هناك عدد من الأسباب التي تدفع الناس إلى التفكير في الأفكار اللاعقلانية. في أغلب الأحيان يكون ذلك بسبب القلق. 

يعاني معظم الناس من أفكار غير مرغوب فيها، لكن طريقة تعاملك معها تؤثر على تجربتك. على سبيل المثال، إذا اخترت تصديق فكرة غير عقلانية، فقد يتسبب ذلك في مزيد من القلق والتوتر. سيكون لديك على الأرجح فكرة غير عقلانية أخرى تتبع الفكرة الأولى، وهكذا. يمكن أن تكون الدورة لا نهاية لها إذا لم تتحكم في ردود أفعالك تجاه أفكارك.

يمكن أيضاً أن تحدث الأفكار غير المنطقية بسبب حالات صحية عقلية معينة، وخاصة اضطرابات القلق أو الاضطرابات الذهانية.

من هم الذين يكونون أكثر عرضة للافكار غير العقلانية؟

يمكن لأي شخص أن يشعر بأفكار غير منطقية، ومعظمنا يفعل ذلك من وقت لآخر. هذا ينطبق بشكل خاص على الأشخاص المعرضين للقلق والإفراط في التفكير والتوتر. يمكن أن تسبب بعض حالات الصحة العقلية، مثل تلك التي تسبب جنون العظمة أو السلوك الوسواسي، أفكاراً غير عقلانية أيضاً.

إذا كنت تعاني من أي من حالات الصحة العقلية التالية، فقد تكون أكثر عرضة لتجربة أفكار غير عقلانية:

  • اضطرابات القلق
  • اضطراب ثنائي القطب
  • اضطراب الشخصية الحدية (BPD)
  • الاكتئاب
  • اضطراب الوسواس القهري 
  • اضطراب الهلع
  • الرهاب
  • اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) 
  • الفصام
  • اضطراب استخدام المواد المخدرة

كيفية إدارة الأفكار اللاعقلانية

هناك طرق عديدة للتعامل بشكل منتج مع الأفكار غير المنطقية. اعتماداً على أسباب أفكارك غير المنطقية، هناك أنواع مختلفة من العلاج مثل العلاج النفسي والأدوية.

تقبل أفكارك

لتغيير طريقة تفكيرك، يجب عليك أولاً التعرف على أفكارك اللاعقلانية. عندما تجد نفسك تفكر في فكرة غير عقلانية، صنفها أولاً بالقول لنفسك أو بصوت عالٍ، “هذه فكرة غير منطقية.”

تذكر أنك لست شخصاً سيئاً بسبب هذه الأفكار. لا يمكنك التحكم في كل فكرة غير منطقية تطرأ على رأسك.

حاول ألا “تطرد” الأفكار من رأسك أو تعاقب نفسك على وجودها. حاول ألا تجادل الفكر أو المعتقد أيضاً.

ببساطة لاحظ الفكرة وتقبل أنها موجودة. عندما تقاوم الفكر، فإنك تمنحها المزيد من القوة. عندما تخبر نفسك ألا تفكر في شيء ما، على سبيل المثال، فمن الأرجح أن تفكر فيها.

قد يكون الأمر صعباً، لكن حاول ترك بعض الوقت يمر. لا تدع تفكيرك غير العقلاني يعطل ما كنت تفعله. اسمح لنفسك بالشعور بالقلق أو التوتر، لكن حاول ملاحظة مشاعرك بدلاً من الرد عليها على الفور.

أعد صياغة أفكارك

حاول الاحتفاظ بمفكرة وقلم معك – طوال اليوم، قم بتدوين كل فكرة ضارة وغير عقلانية تلاحظها. في نهاية اليوم، قد تتفاجأ بعدد المرات التي راودتك فيها فكرة غير منطقية.

الآن بعد أن قمت بتدوينها على الورق، اقض بعض الوقت في تدوين بيان أكثر إيجابية. على سبيل المثال، لنفترض أنك كتبت “يجب أن أكون أقل قلقاً وأكثر سيطرة على افكاري.”

حاول استبدال هذا الفكر السلبي بعبارة مثل، “بعض الأيام أفضل من غيرها، لكنني أعلم أنني أبذل قصارى جهدي للتغلب على القلق والذعر.”

كلما زادت وعيك بعملية التفكير الخاصة بك، أصبح من الأسهل تغييرها. بمرور الوقت، ستتحول آرائك عن نفسك والعالم من حولك إلى صورة أكثر تفاؤلاً.

خيارات أسلوب الحياة

تطوير عادات صحية مثل التمارين واليوجا والتأمل والهوايات يمكن أن يساعد الشخص على اكتساب مسافة من التفكير غير العقلاني وتشجيع التفكير الذاتي. 

قللت ممارسات اليوجا والتأمل من التوتر لدى الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات القلق، والوسواس القهري، واضطراب ما بعد الصدمة – العديد من الحالات المرتبطة بالتفكير غير العقلاني. 

كان لدى المشاركين في إحدى الدراسات مستويات أعلى من السيروتونين بعد التأمل أكثر مما كانت عليه قبل التأمل. (السيروتونين هو هرمون يعزز مشاعرنا بالرفاهية والسعادة.)

ثبت أيضاً أن الحفاظ على نمط حياة صحي – بما في ذلك ممارسة الرياضة واتباع نظام غذائي صحي – يقلل من التوتر. وستكون قادراً بشكل أفضل على التعامل مع الأفكار غير المنطقية عندما تعتني بصحتك العقلية على المدى الطويل. حتى المشي السريع يمكن أن يساعد في تحسين مزاجك وتقليل القلق.

العلاج النفسي

العلاج السلوكي المعرفي (CBT) يواجه التفكير المشوه، ويساعد الشخص على تطوير طرق صحية لتفسير الأحداث في حياته للمساعدة في منع حدوث كارثة.

يمكن أن يساعدك العلاج السلوكي المعرفي في معالجة الأفكار اللاعقلانية التي تراودك. بمساعدة معالج مؤهل، قد تتعلم ما يكمن وراء هذه الأفكار، مثل مخاوف ومشاعر قلق محددة. في بعض الأحيان، تكشف أفكارنا عن معتقدات عميقة الجذور نمتلكها عن أنفسنا وعالمنا.

على سبيل المثال، إذا كانت أفكارك غير المنطقية تدور حول الموت، فقد يساعدك المعالج على اكتشاف ما يكمن وراء الخوف. ربما تكون قد طورت تعلق بالموت كنتيجة لتجربة مؤلمة.

أو ربما يكون أحد الموضوعات المشتركة لأفكارك غير العقلانية هو الخوف من الرفض. قد تعتقد دون وعي أنك لا تستحق القبول.

بغض النظر عن ماهية قصتك، يمكن للمعالج أن يساعدك على تعلم آليات التأقلم الصحية لمقاطعة دورة الأفكار اللاعقلانية، وتطوير نظرة أكثر إيجابية للحياة، وتحسين احترامك لذاتك لتحدي الافكار السلبية.

الأدوية

إذا كنت تتعامل مع حالة صحية عقلية، فقد تساعد الأدوية في إدارة الأعراض – مثل القلق أو جنون العظمة – التي تؤدي إلى التفكير غير العقلاني.

في الاضطرابات الذهانية (مثل الفصام)، ستكون الأدوية المضادة للذهان أكثر فعالية في السيطرة على اضطراب الفكر الأساسي. والأدوية ضرورية أيضاً في الهوس (في الاضطراب ثنائي القطب). في اضطرابات تعاطي المخدرات، معالجة الإدمان الأساسي ضروري.

بالنسبة لاضطرابات القلق، أو اضطراب الهلع، أو أنواع الرهاب المحددة، قد يوصي طبيبك بمثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs) أو مثبطات امتصاص السيروتونين-النوربينفرين (SNRIs)، وهي مضادات الاكتئاب.

 يمكن لمضادات الاكتئاب تحسين القلق عن طريق زيادة كمية السيروتونين التي يمتصها الدماغ.

هناك آثار جانبية لهذه الأدوية مثل العصبية والغثيان والإمساك والرعشة وغيرها. تأكد من إخبار طبيبك عن الأدوية التي تتناولها حاليًا وإخباره بالآثار الجانبية لأي أدوية جديدة.

خلاصة القول

في الختام، يميل البشر إلى أن يكونوا غير عقلانيين في معظم الوقت، وهذا يمكن أن يؤثر علينا سلبًا. يمكننا الوصول إلى نتائج أفضل من خلال تحسين قدراتنا العقلانية على اتخاذ القرار، والتي تعتمد على ربط الحدس والتفكير بطرق إحصائية، وموازنة إيجابيات وسلبيات الموقف وأخذ جميع المعلومات المتاحة في الاعتبار.